سورة الأنفال - تفسير تيسير التفسير

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأنفال)


        


زحفا: مشياً بثقل في الحركة. زحف الجيش إلى العدو مشى اليهم في نقل كأنه جسم واحد الأدبار: واحدها دُبر مؤخرة الانسان، يراد بها الهزيمة. متحرفا لقتال: منحرفا إلى جانب آخر. متحيزا إلى فئة: منضمّا اليهم. مأواه جهنم: مصيره اليها. موهن كيد الكافرين: مضعف كيدهم وتدبيرهم.
يا ايها الذين آمنوا إذا واجهتم الذين كفروا في الميدان وهم زاحفون عليكم بكثرتهم فلا تقرّوا منهم، إلا أن يكون ذلك مكيدَة حرب، وحيث تختارون موقعاً أحسن، أو تدبّرون خطة، أو يكون ذلك التحيز انضماماً إلى فئمة أخرى من المسلمين، لتعاودوا القتال. ان من تولّي منكم وانهزم من وجه العدو يغضب الله عليه، ومصيره إلى النار.
والتولِّي يوم الزحف كبيرةٌ من السبع الموبقات، كما روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اجتنِبوا السبعَ الموبقات، قيل يا رسول الله وما هنّ؟ قالك الشرك بالله، والسِّحر، وقتل النفس التي حرّم الله الا بالحق، وأكلُ الربا، وأكل مال اليتيم، والتولّي يومَ الزحف، وقذف المحصنَات الغافلات المؤمنات».
{فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ ولكن الله قَتَلَهُمْ}. إذا كنتم ايها المؤمنون قد انتصرتم عليهم وقتلتموهم، فانكم لم تفعلوا ذلك بقوتكم، بل إن الله هو الذي نصركم عليهم بتأييده لكم والقاء الرعب في قلوبهم، وما رميتَ أيها الرسول اذ كمت ترمي التراب والحصا في وجوههم، ولكن الله تعالى هو الذي رمى فافزعهم.
{وَلِيُبْلِيَ المؤمنين مِنْهُ بلااء حَسَناً} والله قد فعل ما ذكر ليبلي المؤمنين بالشدة، ليظهر اخلاصهم، ويُنعم عليهم بالنصر والغنيمة، وليثيبهم عليه من فضله وهو الذي وهبهم إياه.
{إِنَّ الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ} يسمع استغاثتكم ويعلم حالكم.
{ذلكم وَأَنَّ الله مُوهِنُ كَيْدِ الكافرين} ذلك هو النصر العظيم، وان الله مضعف بأسَ الكفارين وتدبيرهم بنصركم وخذلانهم. وهذه بشارة أخرى مع ما حل من النصر، فانه أعلمَهم بانه مضعفٌ كيدَ الكافرين فيما يُستَقْبل من الأيام.
قراءات:
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر {مُوهِنٌ كيدَ الكافرين} بالتنوين ونصب كيد، وقرأ أبو عمرو وابن كثير ونافع: {مُوَهّنٌ كيد} بتشديد الهاء. وقرأ حفص: {مُوهِن كيد} بالاضافة وهي قراءة المصحف. وقرأ نافع وابن عامر وحفص {وأنَّ} بفتح الهمزة والباقون بكسرها.
{إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَآءَكُمُ الفتح} يتجه الخطاب هنا إلى الكافرين فقد قال أبو جهل: «اللهُمَّ أيُّنا كانَ اقطع للرحم، وآتى بما لا يعرف فأَحْنِهِ الغداة» ويعني بذلك الرسول الكريم، وقوله: «كلا والله لا نرجع حتى يحكم الله بيننا وبين محمد» ومعنى أحْنِهِ أَمِتْهُ. يعني اجعله ينحني ويسقط على الأرض.
إن تستفتحوا فتطلبوا من الله ان يفتح بينكم، وبين المسلمين، وأن يُهلك أضلَّ الفريقين وأقطعَهُا للرحم فقد استجاب الله، فجعل النصر للمسلمين، والهزيمة عليكم.
{وَإِن تَنتَهُواْ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ} وعلى ضوء هذه الحقيقة، يرغِّبهم الله في الانتهاء عما هم فيه من الشرك والكفر ومحاربة الله ورسوله وان تعودوا للاعتداء نعدْ عليكم بالهزيمة.
{وَلَن تُغْنِيَ عَنْكُمْ فِئَتُكُمْ شَيْئاً وَلَوْ كَثُرَتْ} لن تغنَي عنكم جماعتكم المجتمعة على الإثم شيئا، ولو كان عددها كثيرا، وماذا تفعل الكثرة إذا كان الله في جانب المؤمنين!
{أَنَّ الله مَعَ المؤمنين} إذا صدقوا وأخلصوا لله وللرسول، وقاموا بواجبهم، ونصروا الله ورسوله.


تقدم أن سورة الانفال نزلت تحلّ مشكلات المؤمنين في غزوة بدر من العنائم والاسرى وغير ذلك، وتذكرهم بنعم الله عليهم، وتعرِض لما يجب أن يكون عليه المؤمنون من شجاعة وثبات حتى يظفروا بالنصر والفلاح، ويحصلوا على العزة التي جعلها الله لعباده المؤمنين.
في سبيل هذا ناداهم الله ست مرات بوصف الايمان {يا أيها الذين آمَنُواْ} وقد تقدم النداء الاول في الآية من 15-19 حذرهم فيه من الفرار امام الاعداء.
والنداء الثاني في هذه الآية: {يا أيها الذين آمنوا أَطِيعُواْ الله وَرَسُولَهُ...} اطيعوا الله ورسوله في الاجابة إلى الجهاد، وقد علمتم ان النصر كان بتأييد الله وطاعة رسوله، فاستمروا على طاعتكم لله وللرسول، ولا تعرضوا عن دعوة الرسول إلى الحق وانتم تسمعون كملامه الداعي إلى وجوب طاعته وموالاته ونصره.
ولا تكونوا كالمنافقين الذين قالوا: سمعنا الحق ووعيناه، لكنهم لا يذعنون له.
ان اولئك المشركين ومعهم المنافقون، هم كشرّ الدواب التي أصيبت بالصَّمم فلا تسمع، وبالبُكم ف تتكلم، فقد صمّوا عن الحق فلميسمعوه، ولم ينطقوا به ولم يفعلوه. ولو علم الله بعلمه الأزَلي أن فيهم خيراً لأنفُسهم وللناس وللحق، لأسمعهم مسامع هداية يوصل الحق إلى عقولهم.
{وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّواْ وَّهُمْ مُّعْرِضُونَ} ولو سمعوه وفهموه لانصرفوا عن الهداية، وهم منصرفون عن تدبير ما سمعوا والانتفاع به، فقدوا نوره الفطرة وران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.


هذا هو النداء الثالث: بعد أن ركّز الأمر على أساس من الطاعة والتحذير من المخالفة، ناداهم بإنهاض الهمة وتقوية العزيمة، والمبادرة إلى الطاعة والامتثال دون إبطاء وتسويف، وأرشدهم إلى أن ما يدْعَون اليه فيه حياتُهم، بالعلم والمعرفة، بالشرف والهمزة بالسلطان وعلوا الكلمة، بالسعادة الحقة والنعيم المقيم.
يا أيها الذين آمنوا أجيبوا الله ولبّوه فيما يأمركم به، واجيبوا الرسول في تبليغه ما يأمره الله به، إذا دعاكم الرسول إلى أوامر الله بالأحكام التي فيها حياة اجسامكم وارواحكم وعقولهكم وقلوبكم. فنحن مأمورون ان نطيع الله بالأحكام التي فيها حياة اجسامكم وارواحكم وعقولكم وقلوبكم. فنحن مأمورون ان نطيع الرسول الكريم ونتّبع ما يقول وما يفعل، وما يأمرنا به وما ينهانا عنه. ان سنّة الرسول الكريم أصل من أصول الاسلام، والعمل بها عملٌ على حقظ كيان الإسلام وتقدمه، وفي تركها انحلال الاسلام. كيف نفهم القرآن الكريم لولا سنّة رسوله؟ لقد وردت الصلاة والزكاة والحج وكثير من اركان الإسلام بألفاظ عامة في القرآن الكريم، والرسول هو الذي علّمنا إياها وشرحها لنا بأحاديثه وافعاله.
وهنالك في هذه الأيام فئات من الناس يدعون إلى ترك الحديث وسنة الرسول وعدم الأخذ بها، وما هذه الدعوة الا لهدم الإسلام وتقويض اركانه. وهذا خروج عن الإسلام والحاد كبير نعوذ بالله منه.
{وَاعْلَمُواْ أَنَّ الله يَحُولُ بَيْنَ المرء وَقَلْبِهِ} واعلموا علم اليقين ان الله قائم على قلوبكم، يوجّهها كما يشاء.
روى البخاري واصحاب السنن قال: كانت يمين النبي «لا ومقلّب القلوب». وفي صحيح مسلم: «اللهم مصرّف القلوب، صرِّفْ قلوبنا إلى طاعتك».
{وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} وانكم جمعا ستجعون يوم القيامة يوم البعث والجزاء.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6